نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات تقرير يتناول فيه التقرير الذي نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، في 11 يونيو الجاري، بشأن إجراء مفاوضات بين إيران وروسيا حول صفقة جديدة لشراء قمر صناعي روسي باسم “كانوبوس- في” Kanopus-V، اهتماماً خاصاً من جانب القوى الإقليمية والدولية المعنية بأزمات المنطقة والمنخرطة فيها، حيث كشف التقرير أن قادة من الحرس الثوري قاموا بزيارات عديدة إلى موسكو لهذا الغرض، وأن الأخيرة قامت بإيفاد خبراء من أجل تدريب الطواقم الإيرانية على نظام التشغيل، على نحو سوف يتيح لإيران الحصول على معلومات حساسة عن المواقع الأمريكية والقواعد الإسرائيلية. لكن تقديرات المراقبين تباينت حول مدى دقة هذا التقرير، حيث انقسموا بين اتجاهين أحدهما رجح توقيع الصفقة والآخر استبعد ذلك.
إشارة سلبية:
اللافت في هذا السياق أن هذه الخطوة، في حالة ثبوت صحتها، تأتي بعد نحو عام من إعلان إيران عن إطلاق أول قمر صناعي عسكري إلى الفضاء باسم “نور 1″، حيث أصدر الحرس الثوري بياناً في 22 أبريل 2020، كشف فيه أنه أطلق القمر الصناعي “نور 1” بواسطة الصاروخ “قاصد”. وهنا، فإن حرص إيران على الحصول على تكنولوجيا روسية خاصة بالأقمار الصناعية يوحي بأنها تدرك أن قدراتها في هذا المجال مشكوك فيها، وأنها لا تستطيع مجاراة التطورات النوعية في هذا المجال، رغم حرصها على الترويج إلى الأنشطة التي قامت بها في هذا السياق. وقد بدا ذلك جلياً في فشل تجربة إطلاق القمر الصناعي “ظفر”، في 9 فبراير 2020، بعد أن أخفق في الوصول إلى مداره. كما انعكس في الانتقادات التي وجهها قائد القوة الفضائية الأمريكية الجنرال جاي رايمند لإطلاق “نور 1″، حيث قال، في 26 أبريل 2020، أنه “عديم الفائدة”، وأضاف ساخراً: “تقول إيران إن لدى قمرها قدرات تصويرية لكنها في الواقع كاميرا ويب متشقلبة في الفضاء، ومن غير المحتمل أن توفر معلومات استخباراتية”.
أهداف عديدة:
يرى الاتجاه الذي يتوقع إبرام الصفقة أن كلاً من إيران ورسيا سعتا عبر الكشف عنها في هذا التوقيت إلى تحقيق أهداف عديدة، يتمثل أبرزها في:
1- حصر المفاوضات في الملف النووي: يبدو أن إيران، وفقاً لهذا الاتجاه، سعت من خلال تلك الخطوة إلى تأكيد موقفها الثابت من المفاوضات التي تجري حالياً في فيينا مع مجموعة “4+1″، بمشاركة أمريكية غير مباشرة، والقائم على أن تلك المفاوضات تنحصر فقط في الاتفاق النووي، ولا تمتد إلى الملفات الخلافية الأخرى، لاسيما الدور الإقليمي وبرنامج الصواريخ الباليستية. وبمعنى آخر، فإن إيران تحاول تأكيد أنها سوف تواصل مراقبة القواعد والمصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، حتى لو تم التوصل إلى اتفاق نووي في فيينا، وأن ذلك يرتبط أيضاً باستمرار دعمها لوكلاءها في المنطقة، والذين قد يستفيدوا من المعلومات التي يمكن الحصول عليها عبر القمر الصناعي الجديد.
فالميليشيات العراقية، على سبيل المثال، قد تحصل بدورها على معلومات في هذا السياق، على نحو يمكن أن يعزز من قدرتها على استهداف مزيد من المصالح الأمريكية، بشكل أكثر دقة، وربما بكلفة أعلى، وهو ما يمكن أن يخدم أهدافها الخاصة بممارسة ضغوط على واشنطن من أجل إتمام سحب الجنود الأمريكيين من العراق، هذا فضلاً عن تزويد حزب الله بمعلومات عن المواقع الإسرائيلية استعداداً لأى مواجهة عسكرية مقبلة.
2- تعزيز الموقع التفاوضي: وهو ما يفسر أسباب حرص روسيا تحديداً على استباق القمة المرتقبة التي سوف تعقد في جنيف، في 16 يونيو الجاري، بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن والروسي فيلاديمير بوتين، والتي ستركز على الموقف من الملفات الخلافية العديدة بين الطرفين، لاسيما التعاون العسكري مع تركيا فيما يتعلق بأنظمة صواريخ “إس 400″، وأزمة المعارض اليكسي نافالتي، والأزمة السورية وغيرها. وقد كان لافتاً أن الرئيس بوتين حرص، في 12 يونيو الجاري، على الإشارة إلى أن العلاقات مع الولايات المتحدة في أدنى مستوياتها، رافضاً التعليق مباشرة على وصف الرئيس بايدن له بأنه “قاتل”.
2- الاستعداد لما بعد فيينا: لا تستبعد إيران أن تتصاعد حدة التوتر على المستوى الإقليمي في مرحلة ما بعد فيينا، خاصة في حالة التوصل إلى اتفاق. إذ ترى أن إسرائيل لن تتسامح بسهولة مع أى صفقة نووية جديدة سوف تضمن لها رفع نسبة كبيرة من العقوبات الأمريكية المفروضة عليها ومواصلة أنشطتها النووية بدرجة محدودة، وهو ما سيدفعها، وفقاً للرؤية الإيرانية، إلى التحرك من أجل تحجيم أية مخاطر محتملة على أمنها بسبب تلك الصفقة. ولا يمكن فصل ذلك، بالطبع، عن التصريحات التي أدلى بها مدير جهاز “الموساد” السابق يوسي كوهين، في 11 يونيو الجاري، والتي ألمح فيها إلى مسئولية إسرائيل عن العمليات الأمنية التي تعرضت لها إيران في الفترة الماضية، لاسيما ما يتعلق بالحصول على الأرشيف النووي، وتفجير مفاعل ناتانز مرتين، واغتيال العالم النووي محسن فخري زاده.
رؤية مضادة:
اللافت للانتباه، أن هناك اتجاهات أخرى تستبعد إقدام روسيا على إبرام تلك الصفقة مع إيران، لاسيما بعد أن حرص الرئيس بوتين على نفى الأنباء التي كشف عن تلك الصفقة، حيث رد في 12 يونيو الجاري، على سؤال حول تلك الصفقة بقوله: “أنا لا أعرف أى شيء عن ذلك. ربما هؤلاء الذين يتحدثون عن هذا الموضوع يعلمون أكثر. هذا مجرد هراء”.
وتستند تلك الاتجاهات في تبرير استبعادها لتلك الصفقة إلى اعتبارات رئيسية ثلاثة هى:
1- حسابات الجوار: تعد إيران دولة جوار لروسيا، على نحو يدفع الأخيرة إلى محاولة العمل على وضع حدود لقدراتها العسكرية، وعدم السماح لها بامتلاك ما يمكن أن يؤثر على حساباتها واستراتيجيتها الأمنية، وهو ما لا ينفصل بدوره عن الجهود الحثيثة التي تبذلها روسيا من أجل التوصل إلى صفقة جديدة في فيينا تعزز من احتمال استمرار العمل بالاتفاق النووي، على أساس أن فشل تلك الصفقة المحتملة وانهيار الاتفاق النووي معناه عودة إيران إلى تطوير برنامجها النووي وربما الوصول إلى مرحلة امتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية، وهو خط أحمر لن تسمح بها روسيا حتى رغم علاقاتها القوية مع إيران.
3- تراكم الخلافات: لا تتوافق هذه الخطوة مع الخلافات التي تتصاعد تدريجياً بين روسيا وإيران في سوريا، خاصة بعد تغير توازنات القوى لصالح النظام السوري، حيث تسعى الدولتان إلى تكريس دورهما ونفوذهما العسكري بقوة داخل سوريا. وبالطبع، فإن امتلاك إيران لمثل هذه التكنولوجيا سوف يعزز من حضورها العسكري داخل سوريا، وهو ما لا يتوافق مع مصالح وحسابات روسيا التي تسعى إلى وضع حدود لهذا الحضور على الأرض، باعتبار أنه أدى الغرض منه وهو ضمان بقاء النظام السوري في السلطة ولم تعد هناك حاجة لاستمرار القسم الأكبر منه في المستقبل.
3- مصالح موسكو: قد تفرض تلك الصفقة تداعيات سلبية على مصالح روسيا مع خصوم إيران الإقليميين، على غرار إسرائيل، وهو ما تسعى إلى تجنبه في كل الحالات، لاسيما أن إبرامها سوف يمنح إيران قدرة أكبر على تهديد أمن ومصالح إسرائيل في مرحلة لاحقة، لاسيما عن طريق الميليشيات الموالية لها.
في النهاية، اختتم التقرير قولهبالإعتقاد أنه أياً كان مدى صحة هذا التقرير، فإن التعاون بين روسيا وإيران سوف يتواصل خلال المرحلة القادمة، لكنه ربما يكون محكوماً بضوابط وحدود تفرضها مصالح موسكو واتساع نطاق خلافاتها مع طهران في سوريا.