لا تنفك التوترات الاقتصادية بين الصين وواشنطن تطفو على السطح بين الحين والآخر، مع محاولة كل طرف بسط سيطرته وهيمنته على مشهد الاقتصاد العالمي الذي يحل فيه المتنافسان في المركزين الأول بالنسبة للولايات المتحدة والثاني بالنسبة للصين.
ولطالما بذلت الصين جهودا من شأنها أن تعلي قيمة عملتها في الأسواق العالمية، وتنهي هيمنة الدولار الذي يتربع على العرش منفردا كعملة موحدة للاقتصاد العالمي، وهو ما حدا ببنك الشعب الصيني، البنك المركزي، مؤخرا إلى اتخاذ خطوة تسمح بإتاحة اليوان الرقمي في التعاملات، وهو إجراء ينظر إليه على نطاق واسع كمحاولة حثيثة من بكين لاستخدام عملتها في الأسواق الخارجية بعيدا عن بر الصين الرئيسي.
الصين لديها خطة أكبر لتقليل اعتمادها على الدولار بالنظر إلى الرقم الذي تمثله في مشهد التجارة العالمية، وذلك من خلال تهيئة البنية المالية التحتية التي تسمح في نهاية المطاف باستخدام العملة الصينية في العمليات التجارية بدلا من الدولار.
نهج قديم
منذ عام 2009، انتهجت بكين سياسة جديدة تسعى من خلالها لتقليل اعتمادها على الدولار في معاملاتها التجارية، مع تسوية أكبر قدر من بضائعها في الأسواق الخارجية من خلال عملتها المحلية، بالإضافة إلى الدخول في خطوط ائتمان متبادلة مع العديد من البنوك المركزية حول العالم.
وبدا أن الأمر يؤتي أكله إذ ارتفع حجم البضائع الصينية المصدرة إلى الأسواق الخارجية، والتي تجري تسويتها باستخدام العملة الصينية من نحو أقل من 10٪ في عام 2012 إلى مستويات اقتربت من 30٪ في عام 2015، ثم بدأت بالتراجع التدريجي مع اشتداد الحرب التجارية بين أكبر اقتصاديين في العالم لتبلغ نحو 15٪ فقط.
الخطوات التي يتخذها المركزي الصيني في الوقت الحالي لتهيئة البنية التحتية الداخلية لاستخدام اليوان الرقمي، تتزامن أيضا مع خطوات خارجية بالتواصل مع البنوك المركزية في دول عدة على غرار الإمارات وتايلاند، لإتاحة استخدام النسخة الرقمية من عملتها في المعاملات على نطاق أوسع. ولا يقتصر الأمر على البنوك المركزية، إذ يعمل بنك الشعب الصيني على التواصل مع شركات المدفوعات وبنك التسويات الدولي من أجل تحقيق هدفه بجعل اليوان عملة للاقتصاد العالمي، فبكين هي أكبر مصدر للسلع في العالم.
وعلى صعيد المنتجات المالية، أطلقت بكين عقود مشتقات مالية مقومة بالعملة المحلية يسمح للأجانب بتداولها، ما بدا أنه خطوة أخرى لخلق طلب مرتفع على العملة الصينية، بالإضافة إلى التسويق للعملة على أنها مخزن للقيمة مع انخفاض معدلات التضخم في البلاد.
هل تتغير السياسة النقدية؟
تصدم الجهود التي تبذلها بكين بصخرة السياسة النقدية الحالية للبنك المركزي، والتي تفرض قيودا على حركة رؤوس الأموال، وهو أمر يعقد من الجهود التي تبذلها بكين لفرض سطوة عملتها على الأسواق العالمية.
ولدى الصين نوعان من الرنمينبي، وحدتهما اليوان، الأول الذي يتم تداوله في بر الصين الرئيسي والذي يتقلب في نطاق ضيق أمام العملات تحدده السلطات النقدية، والرنمينبي الخارجي والذي لا يخضع لسيطرة كبيرة من قبل بنك الشعب الصيني، ولكن السلطات تراقب تحركاته عن كثب.
وفي مذكرة بحثية حديثة صادرة عن كابيتال إيكونوميكس اطلعت عليها العربية.نت تحت عنوان “أصداء حرب عملات”، قالت شركة الأبحاث التي تتخذ من لندن مقرا لها، إن الخطوات التي يتخذها بنك الشعب الصيني تتزامن مع مؤشرات على أزمة حرب عملات جديدة مع خطوات اتخذتها البنوك المركزية في العديد من الأسواق الناشئة بالتدخل في سوق الصرف.