وائل الدحدوح يودع عائلته في حرب غزة.. قصة خبر لم يكتمل

غلبته الدموع وهو يلقي نظرة الوداع على جثامين عائلته المخضبة بدماء تتحدى بياض الأكفان، لتكتب بمداد الوجع تفاصيل خبر لم يكتمل.

وائل الدحدوح، الصحفي الفلسطيني الذي قضى سنوات حياته وهو يجول في جنبات الجرح الفلسطيني، لينقل بالصوت والصورة محنة شعب، يتحول إلى خبر حين صعق وهو على الهواء بإبلاغه بنبأ مقتل زوجته وابنه وابنته وحفيدته في قصف كان يغطيه على الهواء مباشرة.

رسم القصف الإسرائيلي نقطة نهاية اضطرارية لخبر الدحدوح، وزج به في نطاق الخبر نفسه، ليقفز من وراء الكاميرا إلى أمامها، يمسح دموعه بجلد جندي في ساعة الوغى.

حيث ودّع الدحدوح إلى الأبد أفرادا من عائلته وهم زوجته آمنة (أم حمزة)، وابنه محمود البالغ من العمر 16 عاما، وابنته شام ذات الأعوام الستة، وكذلك حفيده آدم وهو رضيع وُلد قبل 45 يوما فقط.

دفن الدحدوح عائلته، وما أصعب من لوعة فراق الأحبة في غزة سوى الحصول على مكان لدفنهم في زحمة الجثامين المتدفقة على المقبرة منذ بداية الغارات الإسرائيلية على القطاع قبل 20 يوماً.

لم تكف دموع الدحدوح وهو يلقي النظرة الأخيرة على رفيقة دربه وابنه محمود المسكون مثله بعشق صاحبة الجلالة، وابنته الصغيرة شام، وحفيده الرضيع.

تابع بعينيه المتعبتين الأيادي وهي تضع الرضيع مع ابنته شام، في محاولة لدفن الجثامين في أقل مساحة ممكنة، فهناك، لم يعد أهل غزة يخشون الموت، وإنما باتوا يخافون الدفن في المقابر الجماعية، حين يتعذر التعرف على هوياتهم أو الحصول على مكان للدفن.

قصة لم تكتمل

حتى مساء الأريعاء، كان الدحدوح ينقل الخبر من موقع الحدث ضمن عمله كصحفي ميداني تميز بخبرته الطويلة وسجله المهني الحافل بالنجاحات والتميز، علاوة على مزاياه الشخصية كإنسان خلوق يتمتع بحس إنساني مرهف.

كان الدحدوح على الهواء عندما جاءه الخبر الصادم، حيث استهدفت عائلته التي نزحت كغيرها إلى منطقة ظنتها آمنة من القصف، لتنضم إلى قائمة تضم آلاف القتلى معظمهم من النساء والأطفال ممن قضوا في الغارات الإسرائيلية.

قضت عائلته تحت أنقاض مبانٍ سكنية تقصفها الطائرات، ونزل عليه الخبر نزول الصاعقة، وتفجرت الدموع لتغطي ملامحه المرهقة.

كان يأمل أن يكون الخبر غير صحيح، وعجت الاستفهامات في رأسه: كيف يمكن لإسرائيل أن تقصف أسرته رغم أنها نزحت إلى مخيم النصيرات إحدى المناطق التي دعا الجيش الإسرائيلي سكان غزة للتوجه إليها؟

رغم الصدمة ودموعه المتفجرة من عينيه، تسلح الدحدوح بجلد رهيب منحه القدرة على مزج مرارة الموقف بسخرية، قبل أن يغالب دموعه ليقول إنها «دموع إنسانية لا دموع جبن وانهيار».

المصدر: وكالات