لا يعلم كثير من المتابعين للسياسة الأمريكية تلك القيمة الممنوحة لجماعات الضغط في الولايات المتحدة التي تشكل جزءاً مهماً من آلية عمل النظام السياسي الأمريكي ومؤسساته.
إن هناك بنوداً تعنى بعمل المؤسسات غير الرسمية تتفاعل في عملها مع عوامل داخلية وخارجية، تهدف للتغيير انطلاقاً من أن الدستور الأمريكي يحمل خصائص معينة تتعلق بالآليات المنظمة للفصل بين السلطات والنظام الفيدرالي، مما يسهل عمل ما يسمى “جماعات المصالح في الولايات المتحدة الأمريكية” لتضغط على صانع القرار في أمريكا من أجل تحقيق أهدافها.
يعود هذا التوجه في أساسه إلى قانون صدر منذ أكثر من قرن يسمى قانون “fara”، ويعنى بتنظيم عمليات الضغط السياسي داخل الولايات المتحدة لصالح جهات غير أمريكية.
ويحوي السجل الخاص بأنشطة الضغط السياسي الذي تصدره وزارة العدل الأمريكية ويوجد على موقعها الإلكتروني الكثير من تفاصيل هذا القانون، في مقدمتها أن الرئيس الأمريكي روزفلت كان أول من طالب بتفعيل القانون (fara) لتخوفه من نشاط الحركة النازية داخل الولايات المتحدة، وخشيته من وجود تمويل من الحزب النازي الألماني لها.
ورغم ذلك يبقى مجال الخطأ اليوم وارداً، فلم نسمع يوماً عن محاسبة من تخلف عن الإبلاغ عن عمله لجهات خارجية داخل الولايات المتحدة؛ إذ إن القانون يلزم كل شخص يعمل لجهات خارجية بالإفصاح عن كيفية تواصله معها والأموال التي يتلقاها. وما زالت جماعات الضغط السياسي داخل الولايات المتحدة لا تلتزم بهذا الأمر قانونياً كما يجب.
خلال الأسبوعين الماضيين وبالقرب هنا من الكابيتول في واشنطن، أجريت العديد من اللقاءات في محاولة استكشاف التوجهات التي ستنتهجها بعض تلك القوى (الضاغطة) في شأن الانتخابات الأمريكية المقبلة، خرجت بعدها بخلاصة مفادها أن جماعات الضغط تلك تختلف من حيث القدرة في التأثير على أي انتخابات أمريكية من حيث الإمكانات المتوافرة لجماعات الضغط تلك والمحركات والعوامل التي تحدد فاعليتها، وبالتالي وبقدرات متباينة تستطيع تلك القوى استثمار الآليات الخاصة داخل الكونغرس والمؤسسات الأمريكية.
وأدركت خلال الحوارات التي أجريتها أن قوى الضغط تلك تستهدف مسؤولين حكوميين سابقين عملوا في البيت الأبيض وفي وزارة الخارجية والخزانة الأمريكية والوكالات الفيدرالية الأمريكية؛ مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
لقد حمل العقد الماضي قرارات كثيرة تتعلق بمجموعات الضغط تلك وإمكانية تأثيرها في الانتخابات الأمريكية؛ ففي عام 2010 أصدرت المحكمة العليا الفيدرالية قراراً أثار الكثير من الجدل يسمح لمجموعات الضغط (اللوبيات) بالمشاركة في الحملات الانتخابية.
واليوم تشهد الولايات المتحدة انقسامات سياسية واسعة النطاق تتعلق بالقضايا المثارة حول إمكانية تدخل بعض الدول في الانتخابات الأمريكية المقبلة، وما يتم تداوله من سعي داخل الكونغرس لتشديد القواعد المتعلقة بممارسة الضغط الأجنبي.
خلال الأشهر القليلة الماضية، أقرّ مجلس الشيوخ بعض القوانين المتعلقة بقانون (fara) سيكون لها أكبر الأثر في مفاعيل القوانين المتعلقة بجماعات الضغط السياسي؛ حيث أعلن عن قانون (rfara) المتعلق بتسجيل الوكلاء الأجانب بأثر رجعي، ويهدف الكونغرس من خلاله إلى إصلاح القانون (fara) بعد النقاش الذي تسبب به الحكم الصادر برفض دعوى وزارة العدل ضد الرئيس السابق للجنة الوطنية للجمهورية ستيفن وين بعد قضية رجل الأعمال الصيني غو وينجوي الذي طلب اللجوء السياسي في الولايات المتحدة، واعتبروا ذلك من استغلال القرارات القضائية الخاطئة لقانون (fara) .
وخلال هذه الساعات يبدو مشروع قانون (fara) وملحقاته بمثابة الفرصة لتجديد الشراكة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري؛ فرغم وجود قضايا قليلة حول هذا القانون في العقود الثلاثة الماضية فإن الإصلاحات في القانون هدفها إيجاد موقف محدد للغاية في هذا الشأن وليس نقاط ضعف في نظام تسجيل العملاء الأجانب، وإذا مرر الكونغرس قانون الإصلاح المقترح فلن تكون له تلك الجدوى سوى “التلاقي الصوري” بين الحزبين دون إصلاحات حقيقية للقانون.
أعتقد أن كل المؤشرات تقود إلى أن قانون تسجيل الوكلاء الأجانب سيتم إقراره بأثر رجعي، لكن هذا الإصلاح لن يتطرق سوى إلى الكشف عن النشاط الأجنبي، ولن ينجح في مواجهة الصياغة الغامضة للنص الذي لم يوضح حتى اللحظة من وكيف يمكن اعتبار العميل أجنبياً، وبالتالي فلا يعدو الالتقاء بين الحزبين على إصلاح هذا القانون سوى دعوة خافتة لتوضيح القانون ومحاولة تفعيله بشكل أكبر.
فجميع القضايا المرفوعة سابقاً في هذا القانون تم حلها قبل رفع دعوى جنائية أو مدنية، وكذلك فمسألة عدم رغبة الطرف في التسجيل لدى وزارة العدل أمر نادر الحدوث وستنتهي انتخابات عام 2024، دون إقرار قوانين فاعلة تحد من نشاطات هي بالأساس (محدودة وقليلة الفاعلية) حتى اللحظة لجماعات الضغط السياسي الذي يحميه القانون داخل الولايات المتحدة لاعتبارات لم تعد تخفى على أحد.
المصدر: وكالات