“الحزام الأوسط” والجنوب.. خريطة الإرهاب والعنف في نيجيريا

إرهاب في الشمال ومحاولات انفصال في الجنوب، وما بينهما عنف قبلي دامٍ يجعل من نيجيريا بلدا رابضا على بارود أزمات ترسم خريطة أمنية مضطربة.

فنيجيريا، البلد الأكثر سكانا في أفريقيا، تطوقها اليوم أسوأ أنواع الأزمات التي تهدد وحدتها وأمنها، بما في ذلك إرهاب بوكو حرام المرتبطة بتنظيم داعش في الشمال الشرقي، والمتمردون في الشمال الغربي.

وعلى محور التناظر جنوبا، يتمركز انفصاليون يطالبون بالاستقلال، وفي الوسط، تتواتر المواجهات القبلية بشكل شبه روتيني إلى درجة أنه بات من الممكن أن تختفي قرية بأكملها في ليلة واحدة.

أما باقي الولايات، فلم تنج بدورها من العنف أيضا، حيث يحاصر معظمها انعدام الأمن، خصوصا المناطق الحضرية الواقعة حول العاصمة الفيدرالية أبوجا.

إرهاب “الحزام الأوسط”

لم تكن بداية نيجيريا مع الإرهاب مرتبطة فعليا بظهور بوكو حرام في 2009، فلقد سبقها ظهور مجموعات راديكالية متشددة، لكن صدى هجماتها الدموي لم يكن بذات العنف الذي رافق الجماعة المتطرفة لاحقا.

تغذت بوكو حرام من الثغرات الأمنية واستطاعت أن تتمدد لتتمركز في 6 ولايات شمالية باتت لاحقا تعرف باسم “الحزام الأوسط”، وأصبحت مصدرا للعنف والرعب للمزارعين والرعاة، حيث تفرض الضرائب و”القوانين” على طريقتها، وكل من يبدي أي اعتراض يقع سحله ويقتل بأبشع الطرق.

وفي نوفمبر/ تشرين ثاني 2020، أعدمت بوكو حرام 34 مزارعا بولاية بورنو شمال غربي نيجيريا، وهي الحوادث التي باتت متواترة ما أجبر المزارعين والرعاة على الفرار إما إلى ولايات أخرى أو إلى النيجر المجاورة.

ولاحقا، تمددت الجماعة إلى الجنوب لتشن هجمات تستهدف بالأساس السطو على القطارات والممتلكات الخاصة والعامة.

وعلاوة على بوكو حرام، يرتبط الإرهاب في الشمال الشرقي النيجيري أيضا بجماعة تسمى “أنصار الشرعية” وتتبع تنظيم القاعدة، إضافة إلى مليشيات قبلية وقطاع طرق استفادوا من الفوضى السائدة رغم الحرب التي يشنها الجيش النيجيري منذ أكثر من عقد.

وتدريجيا، اتخذت الهجمات طابعا طائفيا، ففي يناير/ كانون ثاني الماضي، قضى العشرات من الرعاة والمارة في تفجير أعقب اشتباكات بين رعاة مسلمين وآخرين مسيحيين.

انفصال بالجنوب

تتمركز منشآت إنتاج النفط النيجيري بالجنوب، وهذا ما يفسر انتشار الانفصاليين في هذه المنطقة الغنية، مطالبين بالاستقلال عن الحكومة المركزية، في مطلب تقوده جماعة مسلحة تسمى “إيبو”، وتستهدف بشكل أساسي المقرات الحكومية وتستولي على النفط الخام.

وفي الجنوب الغربي، أي المنطقة التي تشمل مدينة لاغوس إداريا العاصمة الاقتصادية لنيجيريا، تعمل الجماعة على بث نعرة الانفصال عبر أعمال القتل والحرق وإثارة الفوضى واستهداف عناصر الشرطة، محاولة تحقيق أكبر عدد ممكن من القتلى من أجل ما تعتقد أنه سيضاعف الضغوط على حكومة تتهمها بتهميش المنطقة.

ورغم الجهود الحكومية، استطاعت الجماعة تعزيز وجودها في الجنوب الشرقي النيجيري، مستفيدة من حصولها على السلاح وثغرات تشوب قدرات الجيش، وفق تقارير.

عنف عرقي

التركيبة الإثنية المعقدة والمتداخلة لنيجيريا ساهمت في خلق عرقيات متناحرة على الأرض والماشية، ففي هذا البلد الذي يضم مسلمين ومسيحيين وديانات أفريقية تقليدية وأكثر من 300 لغة محلية، إضافة للتعددية العرقية، يدفع اليوم فاتورة التعدد في شكل اشتباكات قبلية دامية.

وهذا الأسبوع، قتل أكثر من 100 شخص في وسط نيجيريا بسبب مواجهات مستمرة بين مجتمعات محلية، أجبرت آلاف السكان على الفرار، وفق ما أفادت السلطات المحلية صباح أمس الجمعة.

ومنذ مساء الاثنين، أسفرت هجمات شنها مسلحون على قرى عدة في إقليم مانغو بولاية الهضبة عن “أكثر من 100 قتيل”، وفق ما قال ممثل الإقليم دابوت دانيال لوكالة فرانس برس.

مجازر يرى خبراء أنها تشكل المعضلة الأكبر لبلد ببنية اجتماعية معقدة، وهي الإشكالات المحورية التي تثقل مهام السياسيين، ما يضاعف التحديات في تلك المنطقة حيث يحتدم التنافس السياسي بين عرقيتي الإيبو واليوروبا.

ورغم تعدد الأسباب، يطل الوضع الاقتصادي نقطة التقاطع في خريطة الإرهاب والعنف في نيجيريا، حيث تشير أنه يقف وراء معضلة انعدام الأمن، وهذا ما يفسره انتشار هذه الآفات في المناطق الأشد فقرا من أجزاء البلاد.

طرح يؤكده اقتصار العنف إلى حد كبير بالأشهر الأخيرة من 2022 على المجموعة الانفصالية المسلحة في بيافرا، إضافة إلى المناطق الريفية أو الطرق السريعة الرابطة بين المدن والقرى.

وفي تقرير سابق، أشار المكتب الوطني للإحصاء في نيجيريا (حكومي) إلى أن نحو 133 مليون نسمة يعيشون في فقر متعدد الأبعاد، ما أدى إلى ارتفاع العنف والجريمة خاصة في الجنوب.

المصدر: وكالات