يصيب مرض قصور الغدة الدرقية الملايين من البشر سنوياً على مستوى العالم، وتعد الغدة الدرقية من الغدد الصماء المهمة في الجسم، وهي تفرز هرمون الثيروكسين (thyroxin) مباشرة إلى الدم. ومن وظائف هذه الغدة التحكم في عملية الأيض داخل خلايا وأنسجة الجسم. ومن هنا، تنبع أهميتها، فإذا حدث لها قصور أو خمول، فسوف يؤثر ذلك سلباً في جميع وظائف أعضاء الجسم، ويتنوع المرض ما بين الخمول الخفيف إلى الخمول الشديد.
كسل الغدة الدرقية
ما أسباب وأعراض كسل الغدة الدرقية؟ وما مضاعفاته وعلاقته بالحمل وفئة الأطفال بشكل خاص؟ وكيف يتم التشخيص؟ وما مستجدات العلاج؟ حول ذلك، تحدثت إلى «صحتك» الدكتورة شهد عبد الجليل أبو الحمائل، استشارية السكر والغدد الصماء والهرمونات والسمنة وهشاشة العظام عند الكبار عضو هيئة التدريس في كلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز وكيلة العلوم السريرية بقسم الطالبات فرع الجامعة برابغ، وأوضحت في البداية أن قصور الغدة الدرقية حالة لا تُنتج فيها الغدة الدرقية ما يكفي من بعض الهرمونات المهمة لعمليات الجسم الحيوية، وأن قصور الغدة الدرقية قد لا يسبب أعراضاً ملحوظة في المراحل المبكرة من المرض. ولكن، بمرور الوقت، يمكن أن يسبب قصور الدرقية عدداً من المشكلات الصحية، مثل السمنة وآلام المفاصل والعقم وأمراض القلب.
ولتشخيص قصور هذه الغدة هناك اختبارات وظائف الغدة الدرقية الدقيقة، وهي متاحة في المختبرات كافة، كما أن علاج القصور متاح أيضاً، ويكون عادة بإعطاء الهرمون الدرقي التخليقي، وهو بسيط وآمن وفعال، وفقاً لتوصيات الجمعية الأميركية لأمراض الغدة الدرقية وعلاجها، والجمعية الأميركية لأمراض الغدد الصماء، لعام 2012 وعام 2014، وأخيراً في عام 2017.
الأسباب وعوامل الخطر
تقول الدكتورة شهد أبو الحمائل إن أسباب كسل الغدة الدرقية يمكن أن نقسمها إلى 4 أقسام، وهي:
> الأول: قصور الغدة الأَوَّلي، وفيه تعجز الغدة عن إنتاج الهرمونات الخاصة بها، نتيجة عوامل كثيرة، منها إصابة الغدة بأضرار ناتجة عن أحد الأمراض، مثل مرض هاشيموتو، وهو مرض مناعي ذاتي تنتج فيه أجسام مضادة تسبب كسل الغدة الدرقية، ويمكن أن تحدث الإصابة بقصور الغدة الدرقية بعد معالجة فرط الدرقية باليود المشع.
> الثاني: قصور الغدة الدرقية الثانوي، ويحدث بسبب الإصابة بقصور في هرمون الغدة النخامية الذي يحفز وينبه ويوجه الدرقية لإنتاج الهرمونات. وهذا الهرمون هو المنظم للغدة الدرقية، ويسمى هرمون ثيروتروبين، وتفرزه الغدة النخامية لهذا الغرض، ويمكن أن يحدث ذلك بعد تضرر الغدة النخامية بسبب تعرضها للإشعاع أو الجراحة أو إصابتها بورم.
> الثالث: قصور الغدة الدرقية الثالثي، ويحدث نتيجة قلة ونقص إفراز هرمون «هيبوثالامس» المطلق لمواجهة الغدة الدرقية، وهو هرمون المراقبة الخاص بالغدة النخامية. وتضيف الدكتورة أبو الحمائل أن عنصر اليود مهم جداً لتوازن عمل ووظائف الغدة الدرقية، وأن نقص اليود في النظام الغذائي يعد السبب الرئيسي في الإصابة بمرض قصور الغدة الدرقية على مستوى العالم.
> الرابع: أسباب أخرى، وهي كثيرة، ومنها الإصابة بمرض المناعة الذاتية «هاشيموتو». ويرتبط مرض الغدة المناعي مع بعض الأمراض المناعية الأخرى، مثل مرض السيلياك (الداء البطني أو الجوفي)، والتهاب المفاصل الروماتويدي، وداء السكري من النوع الأول. ويحدث القصور أيضاً كجزء من الإصابة بمرض متلازمة الغدد الصماء بالمناعة الذاتية.
كما يحدث القصور في حالة إزالة الغدة الدرقية بالجراحة، أو تلفها نتيجة العلاج الكيميائي لفرط النشاط، ويمكن أن يسبب تناول علاج الليثيوم حدوث قصور الغدة، حيث أثبتت بعض الأبحاث علاقة هذا الدواء بالإصابة بقصور الغدة الدرقية. وفي حالة التعرض لكميات كبيرة من اليود، مثل التي توجد في أدوية علاج الجيوب الأنفية ونزلات البرد، أو تناول بعض أدوية مضادات عدم انتظام القلب مثل الأميودارون، وبعض الصبغات التي تعطى قبل إجراء الأشعة السينية، وتحتوي على كميات كبيرة من اليود، يمكن لكل ذلك أن يسبب ضرراً كبيراً على الغدة الدرقية، والأكثر تضرراً هم الأشخاص الذين لديهم معاناة ومشكلات في الغدة.
وتقول الدكتورة شهد أبو الحمائل إن قصور الغُدَّة الدَّرقية يمكن أن يصيب أي شخصٍ، ولكن خطر الإصابة يزداد في الحالات التالية:
– الجنس: فغالبية الإصابة تكون بين النساء.
– العمر بين 40 – 60 عاماً.
– من لدَيهم تاريخ مَرَضي من الإصابة بأمراض الغُدَّة الدَّرقية.
– المُصابون بأمراض المَناعة الذاتية، مثل داء السُّكَّري من النوع 1 أو الدَّاء البطني (مرض حساسية القمح أو مرض سيلياك).
– من تمَّت مُعالجتُهم باليود المُشعِّ أو الأدوية المُضادَّة للدَّرقية.
– من تَلقَّوا عِلاجاً بالإشعاع على الرَّقبة أو الصَّدر العُلوي.
– من خَضعوا لجراحة الغُدَّة الدرقية.
– الحمْل أو الولادة.
أعراض ومضاعفات
تقول الدكتورة شهد أبو الحمائل إن علامات مرض قصور الغدة الدرقية وأعراضه تختلف من حالة لأخرى، وذلك حسب شدة نقصان الهرمون. وتميل الأعراض إلى الظهور ببطء، فغالباً ما تصل إلى عدة سنوات. وقد تتضمن العلامات وأعراض قصور الغدة الدرقية ما يلي: التعب- الحساسية المتزايدة تجاه البرودة – الإمساك – جفاف البشرة – زيادة الوزن – انتفاخ الوجه – بحة في الصوت – ضعف العضلات – ارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم – أوجاع العضلات وآلامها وتيبسها – ألم في المفاصل أو تيبسها أو تورمها – تساقط الشعر – بطء معدل ضربات القلب – الاكتئاب – ضعف الذاكرة – تضخُّم الغدة الدرقية.
التشخيص والعلاج
تعد الفحوصات المختبرية لمستويات هرمون منبّه الدرقية (TSH) أفضل وأول اختيار لفحص اختبار قصور الدرقية. وفي كثير من الأحيان، يتم فحص مستويات هرمون منبّه الدرقية مرة ثانية بعد عدة شهور. وقد تكون المستويات غير طبيعية في سياق أمراض أخرى. ومن هنا، فإن اختبارات فحص هرمون منبّه الدرقية في المرضى في المستشفى هو أمر غير مفضّل، إلا في حال اشتباه قوي بخلل وظيفة الغدة الدرقية. وتشير المستويات المرتفعة لهرمون منبّه الدرقية إلى أن الغدة الدرقية قد لا تنتج ما يكفي من هرمون الدرقية، ولذلك ففي كثير من الأحيان يجب فحص مستويات هرمون «T4» بعد ذلك.
أما العلاج، فإن الدكتورة شهد أبو الحمائل تقول إنه بالرجوع والاستناد إلى توصيات الجمعية الأميركية لأمراض الغدة الدرقية وعلاجها لعام 2017، فإن علاج قصور أو كسل الغدة الدرقية يكون على النحو التالي:
> التعويض الهرموني. معظم الأشخاص المصابين بأعراض قصور الدرقية يتم علاج نقص الثيروكسين الرباعي لديهم عن طريق ثيروكسين طويل الأمد، يدعى ليفوثايروكسين (ل – ثيروكسين).
> في المرضى الأقل عمراً، أو الأصحاء المصابين بقصور الدرقية، يمكن البدء بالعلاج التعويضي الهرموني الكامل (محدداً بالوزن) مباشرة بعد التشخيص.
> أما المرضى الأكبر عمراً، أو المصابون بأمراض القلب، فيتم البدء بجرعة مخفضة لتجنب الجرعة الزائدة أو حدوث المضاعفات. أما الجرعات الأقل، فقد تكون مجدية عند مرضى قصور الدرقية دون السريري.
> نسبة الثيروكسين والهرمون المحفز للدرقية الحر في الدم يُستخدم لتحديد فاعلية الجرعة. ويتم ذلك بين (4 – 8) أسابيع بعد بدء العلاج أو تغيير جرعة الليفوثيروكسين. وبعد الوصول للجرعة المناسبة، يتم تكرار الفحص كل (6 – 12) شهراً، إلا إذا كان هنالك تغيير في الأعراض على المريض. وفي الأشخاص المصابين بقصور الدرقية المركزي أو الثانوي، فإن مستويات الهرمون المحفز للدرقية لا تعد مؤشراً مهماً في تحديد القيام بالتعويض الهرموني، وإنما يتم اعتماد مستويات الثيروكسين الرباعي.
> الليفوثيروكسين. يفضل أخذه (30 – 60) دقيقة قبل الفطور، أو 4 ساعات بعد الأكل، لأن بعض المواد مثل الكالسيوم والفيتامينات، وبعض المعادن مثل الحديد، من الممكن أن توقف عملية امتصاص الليفوثيروكسين. ولا توجد طريقة أخرى يمكن من خلالها زيادة إفراز الغدة الدرقية بشكل مباشر.
والنصيحة الأخيرة هي عدم التوقف عن استخدام العلاج دون إخبار الطبيب، فقد يستغرق العلاج فترة 6 أشهر بانتظام حتى يشعر المريض بعودته إلى طبيعته.
المصدر: وكالات