قبل ١١ شهرا، أطلق المستشار الألماني، أولاف شولتس، صرخة قطيعة مع سياسة “القوة السلمية” والاعتماد على الآخرين، وبدء “نقطة التحول”.
هذا التحول الذي وصف بـ”التاريخي”، يتضمن قطيعة كاملة مع مفاهيم “القوة السلمية”، والتأثير عبر القيم، التي سيطرت على السياسة الألمانية منذ 1945، وإطلاق عملية بناء جيش قوي؛ وصفه مسؤولون آخرون بأنه سيكون “الأقوى في أوروبا”.
وبعد إعلان شولتس نقطة التحول في البرلمان بعد أيام من بداية الحرب في أوكرانيا، صوت البرلمان على تخصيص صندوق بقيمة 100 مليار يورو للاستثمار في تسليح الجيش، كما قررت الحكومة رفع ميزانية الدفاع السنوية إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي.
هذه الأموال الضخمة كانت بمثابة الضوء الأخضر، لكثير من التقارير التي نشرت خلال الـ11 شهر الماضية، وتحدثت عن مساعي تسلح ألمانية، وتضمنت صفقات لشراء مقاتلات الجيل الخامس الأمريكية إف 35، ومنظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية “أرو” وغيرها.
ورغم هذه الأموال المرصودة وسقف الطموحات العالي، جاءت نتيجة 11 شهر من “نقطة التحول” صادمة بشكل كبير، سواء للسياسيين أو الجيش الألماني نفسه.
إذ كتبت وزارة المالية الفيدرالية في مذكرة إلى البرلمان، خلال الأيام الماضية، أنه “لم يتم إنفاق أي أموال” في عام 2022، من صندوق الاستثمار في تسليح الجيش.
وبلغة واضحة: لم يتم إنفاق يورو واحد من 100 مليار يورو على الجيش وبرامج التسليح، واكتفت وزارة الدفاع بإبرام عقود معتادة كتلك التي كانت تحدث في السنوات المالية العادية قبل نقطة التحول، بإجمالي 10 مليارات يورو.
الأكثر من ذلك، تُظهر حركة تطوير الجيش في بداية العام الجديد، أيضًا مدى ضآلة تنفيذ سياسة نقطة التحول في الجيش حتى الآن.
وفي هذا الإطار، قال النائب عن الاتحاد المسيحي المعارض، وعضو لجنة الميزانية، إينغو غاديشنز، في تصريحات صحفية “لجنة الميزانية لم تستقبل عقود شراء أسلحة جديدة في يناير/كانون الثاني الجاري”، مضيفا: “لدينا عقد واحد فقط متعلق بشراء خيام طبية”.
عملية بطيئة ومقلقة
وبالإضافة لمشكلة بطء حركة التسليح، هناك أيضًا مشكلة أخرى متعلقة بفشل وزيرة الدفاع المستقيلة حديثا، كريستين لامبرخت، في سد الفجوات التي خلفها تسليم أسلحة من مخازن الجيش الألماني لأوكرانيا.
هذا التأخر الكبير في إطلاق برامج التسليح الكبرى والاستثنائية، دفع مراقبين للقول بأنه حتى ولو بدأت وزارة الدفاع في الفترة المقبلة، مشاريع التسليح الكبيرة، فإن القوات المسلحة ستظل “فارغة” وبلا إمكانات كبيرة في المستقبل المنظور.
فيما قالت صحيفة بيلد الألمانية إن مشاريع التسلح الكبيرة، وخاصة الطائرات المقاتلة والسفن والدبابات على وجه الخصوص، تستغرق وقتا طويلا.
وعلى سبيل المثال، لن تتمكن ألمانيا من استبدال منظمة صواريخ باتريوت الجاري تسليمها لأوكرانيا، قبل عام 2027.
ووضعت بيلد يدها على سببل التلكؤ، وقالت: “بعيدا عن الأموال، فإن ما ينقص وزارة الدفاع قبل كل شيء هو إرادة الإصلاح”.
ونقلت الصحيفة عن سياسيين، القلق والسخط من مسار تسليح الجيش، وسط نظرة قاتمة للمستقبل المنظور، وقالت بيلد “من دون إعادة هيكلة بعيدة المدى للقوات المسلحة، وتبسيط العمليات البيروقراطية ووضع حد للهوس بالنظام فإن وزارة الدفاع، بما في ذلك جميع أقاسمها (مثل مكتب المشتريات)، ستواصل شل نفسها”.
غضب الجيش
ولم يتوقف السخط عند أوساط السياسة والإعلام، بل امتد إلى داخل الجيش نفسه، فبعد يوم واحد من بداية الحرب في أوكرانيا، أطلق مفتش الجيش الألماني، ألفونس ميس، تصريحا صادما وقتها، حيث قال “الجيش الألماني الذي أقوده، فارغ إلى حد ما”، في إشارة لوضعية تسليح الجيش في ذلك الوقت.
وبعد ما يقرب من عام من هذا التصريح وسياسة نقطة التحول، وصف الجنرال نفسه، حالة القوات المسلحة بأنها ليست أفضل بكثير.
وقال ميس خلال مناقشة في مؤتمر صحيفة “هاندلسبلات” الأمني إن الجيش بات فارغا بشكل أكبر، لأنه يتعين على القوات المسلحة تسليم المزيد من الأسلحة، في إشارة لتنازل الجيش عن بعض أسلحته لكييف.
وتابع: “الجيش بات مطلوبا منه النشاط على مستوى الدفاع الوطني وفي إطار الناتو، فلابد أن تكون التشكيلات الكبيرة (المكونة من 15000 جندي) مجهزة تجهيزًا جيدًا وجاهزة للعمل والانتشار في أقصر وقت ممكن”.
وحتى الآن، ركز الجيش الألماني على مهام حفظ السلام الخارجية، لذلك كان يهتم فقط بأن يكون التشكيلات الصغيرة المشاركة في مثل هذه المهام مجهزة جيدا، على حساب القوات المتواجدة في ألمانيا نفسها، وفق ميس.
لذلك، فإن الجاهزية العملياتية للقوات المسلحة الألمانية ازدادت ضعفا في الـ11 شهرا التي مرت بعد إعلان نقطة التحول، وفق ميس الذي أرجع تدهور الوضع إلى تسليم أنظمة تسلح رئيسية، مثل مدافع الهاوتزر ذاتية الدفع ومركبة المشاة “ماردر”، إلى كييف.
الوضع أسوأ بكثير
النائبة إيفا هوغل، المفوضة البرلمانية للقوات المسلحة، كانت أكثر وضوحا في توصيف حالة الجيش، وقالت إنه يفتقر إلى كل شئ تقريبا، ويحتاج إلى “المعدات الشخصية مثل الخوذات وحقائب الظهر والسترات الواقية. وكذلك المعدات الصغيرة والكبيرة بداية من أجهزة الراديو والذخيرة إلى الدبابات”، لكي يكون قادرا على العمل.
ومن الناحية العددية، يعد الجيش الألماني أحد أكبر الجيوش في أوروبا، إذ ينشط فيه 184 ألف جندي، ويمتلك على الورق 284 دبابة من نوع ليوبارد و674 مركبة قتالية للمشاة و121 قطعة مدفعية من عيار 155 مليمترا و8 فرقاطات و226 طائرة مقاتلة من طراز يوروفايتر وتورنادو.
لكن بعض هذه الأسلحة معطلة، فيما لا تعد من الناحية الإجمالية كافية لعمليات جيش قوي يواجه تهديدات متزايدة، وفق مراقبين.
ونظرا لوضعية الجيش الراهنة، يرى رودريش كيسويتر ، خبير الدفاع والعقيد السابق في الجيش، أن وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس سيحتاج إلى” الشجاعة لاتخاذ قرارات معطلة، وإعادة هيكلة الوزارة وتأمين تمويل أفضل للجيش”، لقلب الأوضاع.
المصدر: وكالات