بنديكت السادس عشر.. رحيل “عملاق الإيمان والمنطق”

برحيل بابا الفاتيكان السابق بنديكت السادس عشر، يفقد العالم رجلا يتفق الجميع على أنه عملاق الإيمان والمنطق ورجل لن ينساه التاريخ.

والسبت، أعلن الفاتيكان وفاة بنديكت السادس عشر، وهو لاهوتي ألماني محافظ، وبرحيله يدخل التاريخ باعتباره أول بابا يستقيل منذ القرون الوسطى، بعد حبرية استمرت 8 سنوات قوضتها أزمة عميقة.

ففي 28 فبراير/ شباط 2013، ومع اقتراب عيد ميلاده السادس والثمانين، تخلى البابا، واسمه الحقيقي يوزف راتسينغر، عن منصبه، في قرار عزاه إلى تراجع قواه الجسدية، ما أثار دهشة العالم بأسره.

ومنذ ذلك الحين، عاش أستاذ اللاهوت اللامع المتحدر من مقاطعة بافاريا الألمانية في تكتم شديد داخل دير في الفاتيكان. 

وفي سنواته الأخيرة، كان البابا الفخري يتنقل على كرسي متحرك، كما واجه صعوبة في الكلام، لكنه حافظ على قدراته الإدراكية بحسب المحيطين به، واستمر في استقبال الزوار.

أخطر أزمة

انتُخب بنديكت السادس عشر على رأس الكنيسة الكاثوليكية في 19 أبريل/ نيسان 2005، وسرعان ما واجه أخطر أزمة في تاريخ الكنيسة المعاصرة، تمثلت في سلسلة فضائح اعتداءات جنسية منسوبة لرجال دين مسيحيين بحق أطفال.

وبحسب وكالة فرانس برس، فإن الخطوة الأقوى خلال حبريته تبقى تنحيه عن البابوية، في قرار أول من نوعه في الفاتيكان منذ عام 1415، وقال بنديكت السادس عشر في وقت لاحق إنه اتخذه لدوافع شخصية، مقرا بـ”الصعوبات” التي واجهها على الكرسي الرسولي.

قرار رأى فيه كاتب السيرة الإيطالي جوفان باتيستا برونوري “لفتة شجاعة وبادرة حكومية”، لكنه أشار إلى أن يوزف راتيسنغر “لم يكن يوماً بابا الحكومة، بل بابا الفكر” و”العقيدة”.

مواقف صلبة

تُحسب للبابا الراحل مواقف صلبة عديدة لم يساوم فيها على اشتراط عزوبة الكهنة أو رفض سيامة النساء، ودافع عن خط محافظ في مواجهة التطورات المجتمعية.

وانتقد بنديكت السادس عشر تجاوزات الرأسمالية، خصوصا في ظل تداعيات الأزمة المالية عام 2008، ووقف ضد العلمنة المتزايدة في الغرب، وشارك في جلسات للحوار بين الكنائس المختلفة وبين الأديان، من خلال 25 رحلة إلى الخارج.

وبعيدا عن منصبه، عرف هذا الرجل الخجول بعشقه للموسيقى كما حظي بإشادات حول لطفه في دوائره الضيقة، علاوة على تواضعه الذي جعله محل تقدير واسع.

وقال كاتب سيرته الألمانية بيتر سيوالد لوكالة فرانس برس في عام 2020، إن راتسينغر كان “شخصاً متواضعا، يحافظ دائما على تواضعه ودفئه رغم وجوده في أعلى الدوائر”.

ولد يوزف راتسينغر في 16 أبريل/ نيسان 1927 في بافاريا لعائلة كاثوليكية مناهضة للنازية. ودخل ابن الشرطي هذا المدرسة الكهنوتية منذ سن الثانية عشرة. 

درس علم اللاهوت لمدة 25 عاماً في الجامعات الألمانية. وخلال المجمع الفاتيكاني الثاني، كان أحد علماء اللاهوت المؤيدين لانفتاح الكنيسة، لكن بمواجهة موجات التحرر عام 1968، اتخذ منعطفا محافظا.

المصدر: وكالات