“فضيحة فساد كبرى” تهز أروقة البرلمان الأوروبي: رشى ضخمة، وتورط في كتابة “تقارير مدفوعة والمحاباة لمَن يدفع أكثر…

تجريد نائبة رئيسة البرلمان الأوروبي من منصبها على خلفية تلقي رشى من دولة خليجية!
أُلقي القبض على إيفا كايلي، نائبة رئيسة البرلمان الأوروبي، وذلك للتحقيق معها في اتهامات بتلقّي رشاوى من دولة خليجية “ثرية”.
وتعتقد سلطات التحقيق البلجيكية أن الدولة، التي لم تُسمّها صراحة، حتى لا يؤثر ذلك على سير التحقيقات، حاولت التأثير على قرار البرلمان الأوروبي، سواء بالأموال أو بالهدايا.


بالسياق أُوقِفَ أربعة آخرين في البرلمان الأوروبي، فيمَ رجحت وسائل إعلام محلية أن تكون الدولة المعنية بالفضيحة هي قطر – لكن المتحدث باسم الحكومة القطرية قال إنه لم يسمع بأي تحقيق، منكراً أي
تصرّف مخالف.
ومن بين الموقوفين الأربعة مساعد برلماني مرتبط بمجموعة الاشتراكيين الديمقراطيين، وهو رفيق إيفا كايلي، وكذلك النائب الإيطالي السابق بيير أنتونيو بانزيري، وهو أيضا محسوب على يساريي أوروبا.
والاثنان الآخران هما مدير منظمة غير حكومية، وزعيم نقابي من الجنسية الإيطالية.
وبعد هذه الاعتقالات، تم إجراء ما لا يقل عن 16 عملية دهم من قبل المحققين، الذين لم يعودوا خالي الوفاض، حيث عثروا على ما يقرب من 600 ألف يورو نقدا، كما تمت مصادرة حواسب لوحية، وهواتف خلوية، بيد أنه من غير المعروف، حتى الآن، الدور الذي ربما لعبه مختلف الموقوفين في هذه القضية.
ومن جهته، كان الحزب الاشتراكي اليوناني (باسوك كينال)، الذي تنتمي إليه كايلي، قد أعلن، أنه تم “فصلها” من الحزب.


مسار التحقيقات حتى اللحظة
يدور التحقيق، الذي يقوده قاضِ بالعاصمة البلجيكية، بروكسل، بشأن تصرفات “دولة خليجية” يشتبه بأنها “تؤثر على القرارات الاقتصادية والسياسية للبرلمان الأوروبي، وذلك عبر دفع أموال طائلة أو تقديم هدايا كبيرة”، وفق مكتب المدعي الفدرالي، وبالنسبة للمستفيدين من المبالغ والهدايا، فهم أشخاص “لديهم مناصب سياسية أو استراتيجية” داخل البرلمان الأوروبي.
ولم يذكر مكتب المدعي العام الفدرالي اسم الدولة الخليجية المعنية، لكن مصدرا مطلعا على مجريات القضية أكد للوكالات الصحافية إن الدولة الخليجية هي قطر.
وازدادت مؤخرا تقارير من دول غربية عن تدخلات تقودها دول خليجية للتأثير على القرارات السياسية في هذه البلدان، وذلك عبر وسائل مختلفة تتمحور حول التقديمات المالية والتبرعات تحت عناوين مختلفة.


مَن هي إيفا كايلي؟
“إيفا كايلي” -44 عامًا- عضوة في البرلمان الأوروبي، ونائب من بين 14 آخرين لرئيسة البرلمان الأوروبي، وعضو في الحزب الاشتراكي اليوناني، المعروفة باسم حركة “باسوك من أجل التغيير”.
⦁ مقدمة برامج تلفزيونية، (سابقة) في اليونان.
⦁ تنتمي إلى مجموعة الاشتراكيين والديمقراطيين من يسار الوسط، وهي من الشعبويين، المنتشرين في أرجاء أوروبا.
⦁ تم انتخابها لأول مرة لعضوية البرلمان الأوروبي في العام 2014.
⦁ تم انتخابها كواحدة من 14 نائبًا لرئيسة البرلمان الأوروبي في كانون الثاني/يناير من العام الجاري.
وفي ردة فعل على الحادث؛ قالت مجموعة الاشتراكيين والديمقراطيين بالبرلمان الأوروبي إنها “اتخذت قرارا بتعليق عضوية النائبة “إيفا كايلي” في المجموعة “بأثر فوري” ردا على التحقيقات الجارية”.
وطالبوا بضرورة إضافة ما أسماه “فضيحة ضغط قطر التي تتكشف” إلى جدول أعمال الأسبوع المُقبل حتى يمكن وضع مزيد من التفاصيل حول القضية والاستجابة المناسبة من قبل المشرعين”.


علاقتها بقطر: “محاباة وانحياز”

كشفت صحيفة “بوليتيكو” أن “كايلي” وصفت قطر مؤخرًا بأنها “المرشح الأوفر حظا في مجال حقوق العمال” بعد اجتماعها مع وزير العمل في البلاد.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، التقت بوزير العمل القطري “علي بن سميخ المري”؛ وقالت في بيان بالفيديو نشرته على تويتر من قبل وكالة الأنباء القطرية، حيث ألقت كلمة في البرلمان حول كأس العالم لكرة القدم الذي تُقام فعالياته في قطر: ” إن الحدث هو “دليل على كيف أن الديبلوماسية الرياضية يمكنها تحقيق تحول تاريخي في الدول بتنفيذ إصلاحات ألهمت العالم العربي”
واتهمت بعض أعضاء البرلمان الأوروبي بـ “التنمر” على قطر واتهامها بالفساد.


موقوفون آخرون
عضو البرلمان الأوروبي السابق الاشتراكي “بيير أنطونيو بانزيري” -67 عامًا-؛ كان عضوا بالبرلمان الأوروبي من العام 2004 وحتى ال 2019 نيابة عن مجموعة التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين (S&D).

⦁ عضو في الحركة الديمقراطية والتقدمية الإيطالية “أرتيكولو أونو” التي نشأت في العام 2017 نتيجة انقسام داخل الحزب الديمقراطي.
⦁ ترأس خلال الفترة من كانون الثاني/ يناير 2017 وحتى تموز/يوليو من العام 2019، لجنة البرلمان الفرعية لحقوق الإنسان.
⦁ كما ترأس وفد العلاقات مع دول المغرب العربي.
⦁ ويتولى حاليًا رئيس منظمة حقوقية مقرها بروكسل تسمى “مكافحة الإفلات من العقاب” التي تم تأسيسها في أيلول/سبتمبر 2019. والتي تهدف إلى “تعزيز مكافحة الإفلات من العقاب في حالة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية”.

جدير بالذكر أنه، بسياق التحقيقات الجارية كما تم اعتقال زوجة “بانزيري” التي تُدعى “ماريا كوليوني” – 68 عامًا- في منزلها في كالوسكو دادا، بالقرب من بيرغامو من قبل الشرطة الإيطالية بناءً على مذكرة توقيف أوروبية، بالإضافة إلى اعتقال ابنته “سيلفيا” -38 عامًا- في وقت لاحق، رفض محاميهم التعليق.
وتتهم مذكرة التحقيق “بانزيري” “بالتدخل السياسي مع أعضاء يعملون في البرلمان الأوروبي لصالح قطر والمغرب”. فيما اتهمت المذكرة “الزوجة والابنة بالمشاركة في منظمة إجرامية وبغسيل الأموال مع عقوبة مُحتملة تصل إلى 5 أعوام”.
بالسياق، ذكرت صحيفة “لو سوار ” البلجيكية أنه خلال عمليات البحث التي أجريت، الجمعة، تم اكتشاف أكثر من نصف مليون يورو نقدا في منزل “بانزيري” في بروكسل.
وقالت صحيفة “ليكو” البلجيكية أيضا، إنه تم العثور على “عدة حقائب مليئة بالأوراق النقدية” في منزل “كايلي” في بروكسل؛ حيث فتشت الشرطة منزلها بعد أن وجدت والدها بحوزته مبلغ نقدي كبير بحقيبة سفر.

“لوكا فيسينتيني”- 53 عامًا- السكرتير العام الحالي للاتحاد الدولي لنقابات العمال، الذي تم انتخابه لتولي هذا المنصب في نوفمبر 2022.

⦁ شخصية بارزة في النقابات العمالية الأوروبية لسنوات.
⦁ انتخب سكرتيرا اتحاديا لاتحاد النقابات الأوروبية (ETUC) في آذار/ مارس من العام 2011، ثم انتخب أمينا عاما في العام 2015، وهو منصب تم تأكيده في العام 2019.
⦁ مدير سابق لشركة Oil in Friuli Venezia Giulia.

وتعليقًا على ما يجري؛ قال الاتحاد الدولي للنقابات إنه “على علم” بالتقارير الإعلامية، لكن ليس لديه تعليق آخر لإبدائه في الوقت الحالي، ويضم هذا الاتحاد نقابات عمالية من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المنظمات البلجيكية، يُمثل في المجموع أكثر من 200 مليون عامل.
يُذكَر أن ” فيسينتيني” وخلال مقابلة مع وكالة “فرانس برس”، جرت يوم الاثنين الموافق الخامس من كانون الأول/ديسمبر الجاري، كان قد أبدى محاباةً وترحيبا بالتقدم الذي أحرزته الدوحة في مجال حقوق العمال، لكنه أصر على ضرورة استمرار “الضغط” بمجرد انتهاء البطولة.


إرتباك في أوساط مسؤولي أوروبا الكبار
تشهد أروقة البرلمان الأوروبي ارتباكا كبيرا على خلفية التحقيقات الجارية، كونها تمس أداة من أدوات القارة العجوز للتدخل في شؤون الدول الأخرى حول العالم، وأن ما حدث يأتي متزامنا مع افتتاح دورته الجديدة في ستراسبورغ الفرنسية فاتحا الباب على مصراعيه أمام شكوك في مدى مصداقية قراراته “غير الملزمة”، وكنه الانتقادات التي يوجهها، وأنها “غير موضوعية”، و”منحازة”- على ما يبدو لمَن يدفع أكثر-، فهو يقف ضد روسيا، ومنذ فترة قصيرة كان قد بزغ خبر بالإعلام يفيد بتوظيف البرلمان الأوروبي لصالح الولايات المتحدة، لكتابة “تقارير مدفوعة”، و”موجهة” ضد دول بعينها، إلا أن المسألة ما لبثت عن مرت “دون ضجة”، لكن هذه المرة، حجم الرشوة أكبر من أن يتم تجاوزه، وهو الأمر الذي وضع الأوروبيين في مأزق.


وفي جهة الأيديولوجيا، فإن المأزق أيضا من نصيب “اليساريين الشعبويين”، ففي خضم صراع اليمين واليسار المتصاعد بأوروبا، يمثل ما حدث “ضربة قوية”، وربما تحجيم للشعبويين المنبوذين بكثير من البلدان، ومنها فرنسا، وفقدان الثقة فيهم، وهي قضية لا يمكن إغفالها، وسيضعها مراقبو الشأن الأوروبي بعين الإعتبار على الأرجح، خلال الفترة القليلة المقبلة.
من جانبها، أوضحت رئيسة البرلمان الأوروبي السيدة “روبرتا ميتسولا” أن هيئة الاتحاد الأوروبي “تقف بحزم ضد الفساد”، ولم تعلق على التحقيقات الجارية، مُوضحة أن الاتحاد يتعاون بشكل كامل مع جميع سلطات إنفاذ القانون والسلطات القضائية للمساعدة في مسار العدالة.


بسياق متصل، وعلى خلفية عمليات التوقيف التي طالت الأشخاص الخمسة بمَن فيهم “إيفا كايلي”، أعلن نواب أوروبيون معارضتهم للمفاوضات التي نوقشت،الاثنين، 2022 بشأن إعفاء القطريين من تأشيرات الدخول للاتحاد الأوروبي.


ويجتمع أعضاء البرلمان الأوروبي اعتبارا من الاثنين بمقره في ستراسبورغ بفرنسا، ومن المنتظر أن يقرّوا بدء محادثات بين البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بهدف وضع اللمسات الأخيرة على نص يلغي التأشيرات للمواطنين القطريين والكويتيين.

جدير بالذكر أن العمال الوافدين لقطر يشكلون أكثر من 2.5 مليون من سكان قطر البالغ عددهم 2.9 مليون نسمة، وتعرضت ظروف العمل لانتقادات شديدة، لا سيما في الفترة التي سبقت كأس العالم.


ورغم أن “الدوحة” نفذت إصلاحات على نظام العمالة الوافدة، لكن المنتقدين يصرون على ضرورة القيام بالمزيد الإجراءات عل صعيد العمل للتأكد من أن التغييرات لها تأثير إيجابي على العاملين. وواجهت كأس العالم في قطر أيضًا اتهامات بالفساد أحاطت بالتصويت لمنح البطولة للدولة الخليجية الغنية بالطاقة.


وفي النهاية، يجدر بالإشارة أن هذا الملف، -ما لم يتم التعتيم عليه-، من المتوقع أن يسفر عن مزيد من المفاجآت، والفضائح أيضا.