الشيخوخة.. تهاوٍ تدريجي للرصيد الصحي

يتهاوى تدريجياً الرصيد الصحي من جسم الإنسان مع التقدم في العمر، حيث ينهل الشخص من الجهد والحياة والعمل في ريعان الشباب، غير مبال بالاحتفاظ بالرصيد الكافي لمواجهة انخفاض معدل كفاءة الأجهزة والأعضاء الحيوية، ما يتسبب في التعرض للضعف الجسدي وتراجع الإدراك الحسّي، والتعرض للمشكلات المرضية كلما تقدم العمر، وفي السطور القادمة يسلط الخبراء والاختصاصيون الضوء على بعض هذه الاضطرابات وكيفية ادخار العناصر الغذائية والفيتامينات والمعادن التي تعزز الصحة البدنية والنفسية، ويستطيع بها مواجهة سنون الشيخوخة.

تنشأ الأمراض في جسم الإنسان نتيجة لتراكم السموم، وكذلك الأفكار السلبية المرتبطة بالقلق المزمن والخوف والاكتئاب، وتبدأ على الأغلب من الجهاز الهضمي ومن ثم تنتشر إلى كافة الخلايا والأعضاء الأخرى، ما يؤدي إلى الإصابة بالالتهابات والعدوى المزمنة والتنكس، وتلعب الجينات الوراثية دوراً مهماً في تحديد نوع الإصابات التي يمكن أن تحدث للإنسان مع التقدم في العمر، وفقاً للدكتور سوريش فاسين أخصائي الطب التكاملي.

ويضيف: تبدأ الشيخوخة من عمر ال80، وترتبط عادة ببعض الأمراض المزمنة التي يمكن أن تصيب الإنسان قبل التشخيص بمدة تتراوح ما بين 10 إلى 20 سنة مثل الضغط والسكري والسكتة الدماغية، والأمراض القلبية، والسرطان، والخرف.

ويلفت د.فاسين إلى أن نمط الحياة يتحكم بشكل كبير في إمكانية التمتع بصحة جيدة مع التقدم في العمر، ولذلك على الإنسان اتباع روتين يومي يتضمن ممارسة الأنشطة الصحية وتمارين التمدد والتنفس مرتين في اليوم، وتنظيم أوقات تناول الوجبات والأطعمة المفيدة وشرب كميات وفيرة من المياه، والخلود إلى النوم مبكراً لضمان الحصول على قسط كاف من ساعات الراحة، والتفاؤل وتجنب المشكلات النفسية والتوتر والمواقف السلبية قدر الإمكان.

آلام المفاصل

يقول د. راهول شفادي، أخصائي جراحة العظام: تُعد مشكلات المفاصل من الأمراض الأكثر شيوعاً لدى كبار السن، وخاصة التهاب المفاصل التنكسي، الذي يحدث نتيجة تقدم العمر، وهناك مجموعة صغيرة من الأشخاص يمكن أن يعانوا التهاب المفاصل بسبب إصابات سابقة أو بعض أمراض المناعة الذاتية مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، وتصاحب هذه الحالات آلام شديدة، كما يواجه المريض صعوبة في القيام بأنشطة الحياة اليومية، وربما يعاني البعض تورماً في المفاصل (الانصباب).

ويضيف: يعتبر تصلب المفاصل والآلام الليلية من الشكاوى الشائعة، وتكون أعراضها قصيرة الأمد، ويمكن علاجها بالراحة والأدوية المضادة للالتهابات، وفي حال استمرار علامات المرض، تجب استشارة الطبيب المختص.

يشير د.شفادي إلى أن الحد من تطور مشكلات المفاصل يعتمد على الالتزام بأسلوب الحياة الصحي في وقت مبكر من العمر، ويتمثل في: التغذية السليمة، وممارسة التمارين الخفيفة بانتظام، وطلب الاستشارة الطبية في حال الشعور بآلام غير طبيعية أو التورم أو صعوبة المشي لأكثر من يومين أو ثلاثة، ناتجة عن أي نشاط، حيث إن تجاهل هذه الأعراض يمكن أن يؤدي إلى تفاقم المشكلة، وربما يتسبب في تلف المفصل الدائم وغير القابل للإصلاح.

وينصح د.شفادي كبار السن المصابين بآلام المفاصل بمواصلة التمارين الخفيفة مثل المشي على سطح مستوٍ، وثني الركبة وتمديدها، ويمكن أن تفيد بعض المكملات وحقن المفاصل الموضعية، وحمض الهيالورونيك‏ في تأخير تطور التهاب المفاصل والسيطرة على الألم والالتهاب.

آفات الأسنان

تذكر د. سنان لطفي أخصائية جراحة الفم والوجه والفكين، أن التقدم في السن هو مرحلة مهمة في حياة الإنسان، حيث تبدأ خلايا الجسم في الهرم، وتزداد الإصابة بالأمراض المزمنة، ما يؤدي إلى تفاقم المشكلات المرتبطة بالحفرة الفموية والأسنان كأمراض اللثة والخراجات وجفاف الفم، الذي يرتبط بداء السكري، ويُحدث التهابات حول الأسنان، وتراجع في العظم حول الأسنان، وضعف التروية بسبب تراجع الحجرة اللبية والأقنية الجذرية، وبالتالي يصبح السن هشاً وأكثر عرضة للكسر.

وتضيف: تزداد نسبة هشاشة العظام في الجسم مع تقدم العمر، ما يؤثر أيضاً في عظام الفكين، وتؤدي الأمراض اللثوية إلى تفاقم الامتصاص السنخي، وحدوث قلقلة للأسنان وسقوطها، كما يتسبب فقدان الأسنان في سوء إطباق في الفكين، ويؤذي المفصل الفكي الصدغي.

وتلفت د.لطفي إلى ضرورة أخذ الاحتياطات اللازمة عند معالجة الأسنان للمسنين وخاصة أصحاب الأمراض المزمنة، وعلى سبيل المثال: تجب التغطية بالمضادات الحيوية اللازمة قبل إجراء المعالجة للمريض الذي خضع للجراحة القلبية، وطلب استشارة من الطبيب المختص للذين يتناولون أدوية مميعات الدم قبل التدخل بالجراحة لخلع ضرس أو سن، كما يجب ضبط السكري للمرضى لمنع حدوث إنتان بعد الخلع، ويمكن أن تخضع بعض الحالات للمعالجة الفموية بعد حجزهم في المستشفى للحد من تعرضهم للمضاعفات.

وتضيف: تتمثل العناية الفموية بالفم والأسنان لتجنب المشكلات مع تقدم العمر لتجنب الاختلاطات والإصابات، في التفريش اليومي، واستخدام المضمضة بانتظام، والمراجعة الدورية مع طبيب الأسنان.

صعوبة البلع

تشير د. نور هشام طبيبة الصحة العامة إلى أن صعوبة البلع من المشكلات الشائعة بين كبار السن، ويمكن أن تتفاقم هذه الحالة نتيجة ضعف الأسنان أو تساقطها أو بسبب عدم تثبيت طقم الأسنان بشكل صحيح، لدى المصابين ببعض الأمراض كالزهايمر، سرطان الفم والبلعوم والمريء، الجلطة الدماغية، التصلب اللويحي المتعدد، الضمور العضلي، الشلل الدماغي، داء باركنسون، أمراض الحبل الشوكي والأعصاب، أو من تعرضوا لنزيف أو لجراحة في الرأس والعنق.

وتوضح د.هشام أن صعوبة البلع تصاحبها عدة أعراض مثل: الكحة أثناء تناول الطعام، وتغير في الصوت، وبذل الجهد لمضغ الأكل، كما يعاني المُسن الالتهابات الرئوية المتكررة نتيجة نزول الطعام والشراب بشكل متكرر إلى الرئتين عبر القصبة الهوائية بدلاً من نزوله إلى المعدة عبر المريء، فضلاً عن اضطراب حاسة التذوق وفقدان الشهية، ونقص الوزن والجفاف بسبب عدم القدرة على تناول كميات كافية من السوائل والأطعمة.

التغذية السليمة

تذكر د.هشام أن التقدم في العمر يُحدث تغيرات مختلفة على الشكل الخارجي للإنسان، ما ينعكس على الوظائف الداخلية للأعضاء والعمليات الحيوية، حيث تكون عمليات الحرق والأيض أبطأ من معدلها في مرحلة الشباب، كما تقل كتلة العضلات والعظام في الجسم، ويصبح النشاط والحركة أقل من المعتاد، وهناك بعض الإرشادات التي يمكن أن تفيد في تحقيق التوازن الغذائي للمسنين، وتشمل الآتي:

• تقليل كميات الطعام، حيث أن الاحتياج اليومي من الطاقة يصل إلى 600 سعر حراري فقط.

• الاهتمام بنوعية الأطعمة التي تحتوي على نسبة كبيرة من الفيتامينات والمعادن بما يتناسب مع كمية الطاقة.

• تناول الغذاء الصحي مثل الفاكهة والخضار والمأكولات المشوية.

• الابتعاد عن المشروبات الغازية ومنتجات العصائر المحلاة التي تمد الجسم بالسكريات الضارة بالصحة، واستبدالها بشرب الماء بكميات وفيرة، لتجنب الجفاف.

ساهم شرب منتجات الألبان قليلة الدسم في الحفاظ على صحة العظام.

• تناول المكملات الغذائية تحت إشراف الطبيب.

اختلال التوازن

يلفت د. فتحي الجوراني استشاري الأمراض الباطنية وطب الشيخوخة، إن اختلال التوازن وخطر السقوط إحدى المشكلات الرئيسية التي يواجها كبار السن، ولذلك ننصح بممارسة التمارين لتقوية العضلات، ويوصى بالمشي يومياً لمدة نصف ساعة على الأقل، كما تعتبر الرياضة مهمة للوقاية من حالات مثل هشاشة العظام التي تبدأ في الظهور بعد سن الأربعين نتيجة فقدان كثافة العظام ببطء، ويمكن أن يساعد تناول كوب يومي من الحليب في الحد من تطور الأعراض، كما يلعب فيتامين «د» دوراً حيوياً في تعزيز صحة العظام على المدى الطويل، عن طريق التعرض للشمس لمدة 10 دقائق على الأقل ثلاث مرات في الأسبوع.

يذكر د.الجوارني أن الحفاظ على الصحة بعد سن الأربعين يحتاج إلى اتباع نظام غذائي متوازن يتضمن الفواكه والخضروات، وتجنب الإفراط في الدهون حتى لا يتعرض الشخص لارتفاع نسبة الكولسترول الضار، وانسداد الشرايين على المدى الطويل، ويكون عرضة للإصابة بالسكتة الدماغية والنوبات القلبية، ويُنصح أيضاً بالإقلاع عن التدخين.

ويلفت د.الجوارني إلى أن الخرف حالة شائعة عند كبار السن، وتشير الدلائل إلى أن التاريخ العائلي يلعب دوراً هاماً في الإصابة باضطرابات الذاكرة والتركيز، وهناك العديد من الأنشطة التي تساهم في تحفيز الدماغ، وتمنع تطور الخرف مع تقدم العمر، كالقراءة وممارسة الألعاب وحل الألغاز.

ويلفت د.الجوارني إلى أن إجراء تغييرات في نمط الحياة، من أهم الإجراءات التي تحد من الإصابة بالأمراض مع تقدم العمر، والتخلص من الكيلوجرامات الزائدة.

المصدر: وكالات